تظهر بين الحين والآخر تقارير إعلامية تُشجع على سحب جماعي للودائع من البنوك. تُعرف هذه الظاهرة عادةً باسم "الاندفاع نحو سحب الودائع من البنوك". تُشكل هذه الظاهرة أحد أخطر التهديدات لاستقرار النظام المالي الوطني. تهدف هذه الدراسة إلى عرض مسار مُحتمل لمثل هذا السيناريو في بولندا، وتحديد عواقبه الاقتصادية والاجتماعية، وتحديد التدابير الرئيسية لمواجهته. استُلهم هذا التحليل من مُحادثة أجريتها قبل بضعة أيام مع مدير أحد البنوك البولندية الكبرى، ناقشنا فيها السيناريوهات المُحتملة وعواقبها.
آلية وحجم الظاهرة المحتملة
يعتمد النظام المصرفي في بولندا، كما هو الحال في معظم الدول، على مبدأ الاحتياطي الجزئي. هذا يعني أن المؤسسات المالية تحتفظ بجزء محدود فقط من أموال المودعين على شكل سيولة نقدية، بينما يُستثمر الباقي في أدوات مالية طويلة الأجل، كالقروض والسندات وغيرها من الأوراق المالية.
سيؤدي سحب ملايين المواطنين لمدخراتهم بشكل جماعي، حتى لو وصل إلى عشرات الآلاف من الزلوتيات للفرد، إلى تدفق مئات المليارات من الزلوتيات إلى خارج النظام المصرفي. ولأن النقد يُمثل حوالي خُمس الودائع، فلن تتمكن البنوك من تلبية هذه الطلبات فورًا، مما يؤدي إلى مشاكل سيولة حادة.
العواقب على القطاع المصرفي
ستتمثل المرحلة الأولى من الأزمة في زعزعة استقرار السيولة، مما سيجبر البنوك على بيع أصولها، حتى بأقل من قيمتها الحقيقية، والحصول على قروض طارئة من البنك الوطني البولندي. وفي الوقت نفسه، يُفترض رفع أسعار الفائدة على الودائع لإبطاء عمليات السحب. وسيصاحب ذلك أزمة ثقة، تؤدي إلى تأثير الدومينو وتصاعد عمليات السحب، بالإضافة إلى انخفاض قيمة الأصول بسبب التصفية القسرية. وقد لا تصمد المؤسسات المالية الأضعف، وستحتاج إلى استحواذ كيانات أقوى عليها أو تدخل حكومي مباشر.
رد فعل مؤسسات الدولة
سيُطلب من البنك الوطني البولندي (NBP) تطبيق آليات طوارئ، تشمل توفير سيولة نقدية إضافية، وإطلاق قروض طارئة، وبذل جهود تواصلية للحد من حالة الذعر. كما يُمكن فرض حدود إدارية للسحب، على غرار الحلول المُطبقة سابقًا في اليونان وقبرص. وسيُلزم صندوق ضمان البنوك بضمان ودائع المواطنين بما يصل إلى 100,000 يورو.
التأثير على الاقتصاد
سيؤدي التدافع على البنوك إلى انخفاض حاد في الإقراض، مما قد يُترجم إلى ركود اقتصادي. كما أن زيادة أسعار الفائدة على الودائع، المستخدمة كأداة للاحتفاظ بالأموال في البنوك، قد تُثقل كاهل القطاع. في الوقت نفسه، قد تُسرّع زيادة المعروض النقدي المتداول التضخم، كما أن انعدام الثقة في النظام المالي سيشجع على هروب رؤوس الأموال إلى الأصول الملموسة والعملات الأجنبية.
السياق السياسي والدولي
يمكن استخدام أزمة ثقة في الزلوتي كحجة سياسية لتسريع الانضمام إلى منطقة اليورو. مع ذلك، من الناحية الرسمية، ونظرًا لمعايير التقارب والحاجة إلى تلبية متطلبات استدامة المالية العامة، فإن حالة الأزمة ستُصعّب استيفاء الشروط اللازمة. عمليًا، قد يؤدي هذا إلى ضغوط من المؤسسات الأوروبية لتسريع التكامل النقدي مقابل دعم الاستقرار.
تشبيهات تاريخية
تشير تجارب قبرص (2013)، واليونان (2015)، والأرجنتين (2001) إلى أن تهافت الودائع المصرفية يؤدي إلى قيود على الوصول إلى الودائع، وفرض قيود على عمليات السحب والتحويل، وفي الحالات القصوى، تجميد بعض الأموال. وتُظهر هذه المقارنات أن استجابة الحكومة ضرورية للحد من تأثير الأزمة، على الرغم من أن التكاليف الاجتماعية والاقتصادية حتمية.
محور التصعيد المحتمل
شهدت الأيام القليلة الأولى طوابير انتظار أمام أجهزة الصراف الآلي، وفرض قيود على السحب. في غضون أسبوع، ستظهر مشاكل سيولة خطيرة، وبعد أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، ستكون هناك حاجة إلى إجراءات إدارية استثنائية، بما في ذلك فرض قيود على المعاملات. في الأسبوع الرابع، قد يتطور السيناريو في اتجاهين:
الخيار أ – الاستقرار:
يهدأ الوضع تدريجيًا بفضل تدخلات البنك الوطني البولندي (NBP) والحكومة. يُحسّن خفض حدود السحب وزيادة عمليات تسليم النقد من الوضع ويعيد النظام إلى العمل بشكل أساسي. بدأ المجتمع يتقبّل القيود المفروضة على الوصول إلى النقد، وأصبحت المعاملات الإلكترونية هي وسيلة الدفع السائدة. على الرغم من الخسائر وتراجع الثقة، تحافظ البنوك على قدرتها التشغيلية. لم تنتهِ الأزمة تمامًا، لكنها مُحتوَية إلى مستوى يُجنّب انهيار النظام.
الخيار ب – تصعيد الأزمة:
يستمر الذعر، ويطالب المواطنون بسحب كامل للودائع. تُعلن أضعف البنوك، وخاصةً المحلية والتعاونية، إفلاسها، وتضطر الحكومة إلى إعلان إغلاق مؤقت للقطاع المصرفي (عطلة رسمية). وتُصبح المفاوضات مع المؤسسات الخارجية، بما فيها الاتحاد الأوروبي والبنك المركزي الأوروبي، ضرورية للحصول على الدعم. ويؤدي هذا التصعيد إلى تراجع حاد في الثقة بالعملة الوطنية، وقد يدفع إلى التفكير في اعتماد اليورو كإجراء لتحقيق الاستقرار.
في غضون شهر أو شهرين سيكون هناك ركود اقتصادي ومناقشة حول اتجاهات السياسة النقدية والنظامية.
يوضح الجدول أدناه تطور احتمالية هروب المودعين من البنوك في بولندا بمرور الوقت. ويأخذ في الاعتبار ردود فعل الجهات الفاعلة الرئيسية: المواطنون، والقطاع المصرفي، والبنك الوطني البولندي، والحكومة.
فترة
|
المواطنون |
البنوك |
بنك ان بي بي |
حكومة |
اليوم الأول والثاني: الموجة الأولى من عمليات السحب | طوابير أمام أجهزة الصراف الآلي، ذعر بعد الشائعات. | حدود في أجهزة الصراف الآلي، ونقص في السيولة النقدية في الفروع. | توفير الأوراق النقدية الإضافية، ومراقبة الوضع. | مراقبة الوضع وعدم اتخاذ أي إجراء. |
اليوم 3-5: تصاعد الأزمة | الذعر المتزايد، تأثير كرة الثلج. | حدود السحب في الفروع، والإيقاف في الفروع الصغيرة. | رسائل مطمئنة، وإعادة طباعة سريعة. | نداءات للهدوء، وتأكيدات على ضمان الودائع. |
الأسبوع الثاني: أزمة السيولة | لا يوجد نقد متداول، والمحلات التجارية تفضل الدفع الإلكتروني. | مشاكل السيولة وبيع الأصول. | إطلاق قروض الطوارئ (المقرض كملاذ أخير). | إعداد القيود على عمليات السحب (2-3 آلاف زلوتي بولندي/يوم). |
الأسبوع 3: قرارات الطوارئ | تخزين النقود في المنزل وشراء الذهب والعملات. | انخفاض الأسعار في بورصة وارسو وتهديد بالإفلاس. | ويعمل على تعزيز التعاون مع البنك المركزي الأوروبي وبنك التسويات الدولية ويزيد الاحتياطيات. | فرض حظر على التحويلات الخارجية وحدود السحب. |
الأسبوع الرابع: الاستقرار أو التعميق | الخيار أ: راحة البال. الخيار ب: المطالبة بالراتب كاملاً. |
الخيار أ : العمل مع القيود. الخيار ب : الإفلاسات والعطلات الرسمية. |
حدود خاضعة للرقابة، وتسليمات نقدية إضافية. | الخيار أ : الاستقرار. الخيار ب : عطلة مصرفية، مفاوضات مع الاتحاد الأوروبي/البنك المركزي الأوروبي. |
الشهر الثاني والثالث: التأثيرات طويلة المدى | ولا يزال البعض يحتفظون بالأموال النقدية في منازلهم، ويشترون الذهب والعملات الأجنبية. | يتم تعزيز الأقوياء، ويتم الاستيلاء على الأضعف أو إنقاذهم. | إصدار مبالغ نقدية إضافية، وزيادة التضخم. | وقد يثير مسألة إدخال اليورو كشكل من أشكال الاستقرار. |
المخاطر الرئيسية
تشمل أبرز التهديدات فقدان السيولة في القطاع المصرفي، والركود الاقتصادي الناجم عن أزمة الائتمان، والضغوط التضخمية، واحتمالية فشل المؤسسات المالية. على الصعيدين السياسي والجيوستراتيجي، ينبغي النظر في إمكانية تزايد الضغوط من أجل التكامل النقدي مع الاتحاد الأوروبي، وزيادة الاعتماد على رأس المال الأجنبي.
الاستنتاجات الاستراتيجية
يُعدّ التهافت على سحب الودائع من البنوك أحد أخطر التهديدات للأمن الاقتصادي لأي دولة. وتتمثل أبرز عوامل الخطر في الذعر والقرارات غير العقلانية التي يتخذها الأفراد، والتي قد تُحدث تأثير الدومينو. ومن منظور استراتيجي، تُعد التدابير الوقائية، سواءً تلك التي تهدف إلى تشكيل سلوكيات العملاء الفردية أو بناء أساس متين للاستقلال الاقتصادي طويل الأمد، بالغة الأهمية.
من منظور الاستقرار الوطني، يُعدّ السلوك المسؤول للمودعين أمرًا بالغ الأهمية. في حالات الأزمات، لا ينبغي التسرع في سحب جميع المدخرات. تجدر الإشارة إلى أن الاحتفاظ بالأموال النقدية في المنزل لا يضمن الأمان الكامل. يبقى تنويع مصادر الدخل حلاً منطقيًا، بما في ذلك الودائع وسندات الخزانة وصناديق الاستثمار والعملات الأجنبية والأصول الملموسة. من المهم أيضًا الاستعانة بمؤسسات مالية مرموقة وتجنب العروض التي تظهر في جو من الذعر، والتي قد تُشكّل شكلاً من أشكال الاستغلال. من الضروري الحفاظ على الهدوء والوعي بأن الإجراءات الجماعية التي يقوم بها الأفراد قد تؤثر سلبًا على استقرار الاقتصاد ككل. يجب على المواطنين أن يتذكروا أن الودائع التي تصل إلى ما يعادل 100,000 يورو محمية من قبل الدولة من خلال نظام ضمان صندوق الضمان المصرفي، ويجب اتخاذ جميع القرارات المالية بناءً على مصادر معلومات موثوقة، بما في ذلك إعلانات البنك الوطني البولندي والمؤسسات الإشرافية.
يتطلب الحفاظ على قدرة البلاد على الصمود في مواجهة الأزمات المالية المحتملة تعزيز المدخرات المحلية باستمرار وتوجيهها نحو القطاعات الاقتصادية الحقيقية، مثل التصنيع والطاقة والبنية التحتية. ومن الضروري أيضًا رفع مستوى الثقافة المالية لدى الجمهور، بما يضمن اتخاذ القرارات بعقلانية ووعي لا بالعواطف. ومن منظور استراتيجي، من الضروري تطوير تقنيات دفع حديثة وأنظمة أمان للمعاملات، بالإضافة إلى بناء احتياطيات من العملات الأجنبية والذهب. ويظل دعم المؤسسات المالية المحلية والحد من الاعتماد المفرط على رأس المال الأجنبي عنصرًا أساسيًا، مما يسمح باستقلالية أكبر في اتخاذ القرارات ويعزز الاستقلال الاقتصادي لبولندا.
ومن منظور الأمن القومي، فإن الحفاظ على استقرار القطاع المالي يعد شرطاً للحفاظ على الاستقلال الاقتصادي والاستراتيجي للدولة.